فصل: تعريف السرقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.حد السرقة:

إن الإسلام قد احترم المال، من حيث انه عصب الحياة، واحترم ملكية الافراد له، وجعل حقهم فيه حقا مقدسا، لا يحل لاحد أن يعتدي عليه بأي وجه من الوجوه، ولهذا حرم الإسلام: السرقة، والغصب، والاختلاس، والخيانة، والربا، والغش، والتلاعب بالكيل والوزن، والرشوة، واعتبر كل مال أخذ بغير سبب مشروع أكلا للمال بالباطل.
وشدد في السرقة، فقضى بقطع يد السارق التي من شأنها أن تباشر السرقة، وفي ذلك حكمة بينة، إذ أن اليد الخائنة بمثابة عضو مريض يجب بتره ليسلم الجسم، والتضحية بالبعض من أجل الكل مما اتفقت عليه الشرائع والعقول.
كما أن في قطع يد السارق عبرة لمن تحدثه نفسه بالسطو على أموال الناس، فلا يجرؤ أن يمد يده إليها، وبهذا الأموال وتصان.
يقول الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم}.

.حكمة التشديد في العقوبة:

والحكمة في تشديد العقوبة في السرقة دون غيرها من جرائم الاعتداء على الأموال هي ما جاء في شرح مسلم للنووي: قال القاضي عياض رضي الله عنه: صان الله الأموال بإيجاب القطع على السارق، ولم يجعل ذلك في غير السرقة، كالاختلاس، والانتهاب، والغصب، لأن ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة، ولأنه يمكن استرجاع هذا النوع بالاستدعاء إلى ولاة الأمور، وتسهل إقامة البينة عليه، بخلاف السرقة، فإنها تندر إقامة البينة عليها فعظم أمرها، واشتدت عقوبتها، ليكون أبلغ في الزجر عنها.

.أنواع السرقة:

والسرقة أنواع:
1- نوع منها يوجب التعزير.
2- ونوع منها يوجب الحد.
والسرقة التي توجب التعزير، هي السرقة التي لم تتوفر فيها شروط إقامة الحد.
وقد قضى الرسول صلى الله عليه وسلم، بمضاعفة الغرم على من سرق ما لاقطع فيه: قضى بذلك في سارق الثمار المعلقة، وسارق الشاة من المرتع.
ففي الصورة الأولى، أسقط القطع عن سارق الثمر والكثر، وحكم أن من أصاب شيئا منه بفمه وهو محتاج إليه فلاشئ عليه، ومن خرج منه بشئ فعليه غرامة مثليه، والعقوبة، ومن سرق منه شيئا في جرينه فعليه القطع إذا بلغت قيمة المسروق النصاب الذي يقطع فيه.
وفي الصورة الثانية، قضى في الشاة التي تؤخذ من مرتعها بثمنها مضاعفا وضرب نكال وقضى فيما يؤخذ من عطنه بالقطع، إذا بلغ النصاب الذي يقطع فيه سارقه رواه أحمد، والنسائي، والحاكم، وصححه.
والسرقة التي عقوبتها الحد نوعان: الأول سرقة صغرى: وهي التي يجب فيها قطع اليد.
الثاني سرقة كبرى: وهي أخذ المال على سبيل المغالبة.
ويسمى الحرابة.
وقد سبق الكلام عليها قبل هذا الباب.
وكلامنا الآن منحصر في السرقة الصغرى.

.تعريف السرقة:

السرقة: هي أخذ الشئ في خفية يقال: استرق السمع، أي سمع مستخفيا.
ويقال: هو يسارق النظر إليه، إذا اهتبل غفلته لينظر إليه.

وفي القرآن الكريم يقول الله سبحانه: {إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين}.
فسمى الاستماع في خفاء استراقا.
وفي القاموس: السرقة، والاستراق، المجئ مستترا لاخذ مال الغير من حرز.
وقال ابن عرفة: السارق عند العرب، هو من جاء مستترا إلى حرز فأخذ منه ما ليس له.
ويفهم مما ذكره صاحب القاموس وابن عرفه، أن السرقة تنتظم أمورا ثلاثة:
1- أخذ مال الغير.
2- أن يكون هذا الاخذ على جهة الاختفاء والاستتار.
3- أن يكون المال محرزا.
فلو لم يكن المال مملوكا للغير، أو كان الاخذ مجاهرة، أو كان المال غير محرز، فإن السرقة الموجبة لحد القطع لاتتحقق.
المختلس والمنتهب والخائن غير السارق: ولهذا لا يعتبر الخائن، ولا المنتهب، ولا المختلس، سارقا، ولا يجب على واحد منهم القطع، وإن وجب التعزير، فعن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس على خائن، ولا منتهب، ولا مختلس قطع» رواه أصحاب السنن، والحاكم، والبيهقي، وصححه الترمذي، وابن حبان.
وعن محمد بن شهاب الزهري قال: إن مروان بن الحكم أتي بإنسان قد اختلس متاعا فأراد قطع يده، فأرسل إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك، فقال زيد: ليس في الخلسة قطع رواه مالك في الموطأ.
قال ابن القيم: وأما قطع يد السارق في ثلاثة دراهم وترك قطع المختلس والمنتهب، والغاصب، فمن تمام حكمة الشارع أيضا، فإن السارق لا يمكن الاحتراز منه، فإنه ينقب الدور، ويهتك الحرز، ويكسر القفل، ولا يمكن صاحب المتاع الاحتراز بأكثر من ذلك، فلو لم يشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضا، وعظم الضرر، واشتدت المحنة بالسراق، بخلاف المنتهب والمختلس فإن المنتهب هو الذي يأخذ المال جهرة بمرأى من الناس فيمكنهم أن يأخذوا على يديه ويخلصوا حق المظلوم أو يشهدوا له عند الحاكم، وأما المختلس فإنه إنما يأخذ المال على حين غفلة من مالكه وغيره فلا يخلو من نوع تفريط يمكن به المختلس من اختلاسه، وإلا فمع كمال التحفظ والتيقظ لا يمكنه الاختلاس فليس كالسارق، بل هو بالخائن أشبه.
وأيضا فالمختلس إنما يأخذ المال من غير حرز مثله غالبا، فإنه الذي يغافلك ويختلس متاعك في حال تخليك وغفلتك عن حفظه، وهذا يمكن الاحتراز منه غالبا، فهو كالمنتهب، وأما الغاصب فالأمر منه ظاهر، وهو أولى بعدم القطع من المنتهب، ولكن يسوغ كف عدوان هؤلاء بالضرب والنكال والسجن الطويل والعقوبة بأخذ المال.

.جحد العارية:

ومما هو متردد بين أن يكون سرقة أو لا يكون جحد العارية، ومن ثم فقد اختلف الفقهاء في حكم ذلك، فقال الجمهور: لا يقطع من جحدها، لأن القرآن والسنة أوجبا القطع على السارق، والجاحد للعارية ليس بسارق.
وذهب أحمد وإسحاق، وزفر، والخوارج، وأهل الظاهر، إلى أنه يقطع، لما رواه أحمد، ومسلم، والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها.
فأتى أهلها أسامة بن زيد رضي الله عنه فكلموه.
فكلم النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أسامة، لاأراك تشفع في حد من حدود الله عز وجل».
ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا، فقال: «إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها». فقطع يد المخزومية.
وقد نَاصرَ ابن القيم هذا الرأي، واعتبر الجاحد للعارية سارقا بمقتضى الشرع.
قال في زاد المعاد: فإدخاله صلى الله عليه وسلم جاحد العارية في اسم السارق كإدخاله سائر أنواع المنكرات في الخمر، وذلك تعريف للامة بمراد الله من كلامه.
وفي الروضة الندية: أن الجاحد للعارية إذا لم يكن سارقا لغة فهو سارق شرعا، والشرع مقدم على اللغة.
قال ابن القيم في أعلام الموقعين: والحكمة والمصلحة ظاهرة جدا، فإن العارية من مصالح بني آدم التي لا بد لهم منها ولاغنى لهم عنها، وهي واجبة عند حاجة المستعير وضرورته إليها إما بأجرة أو مجانا، ولا يمكن الغير كل وقت أن يشهد على العارية، ولا يمكن الاحتراز بمنع العارية شرعا وعادة وعرفا، ولافرق في المعنى بين من توصل إلى أخذ متاع غيره بالسرقة وبين من توصل إليه بالعارية وجحدها، وهذا بخلاف جاحد الوديعة، فإن صاحب المتاع فرط حيث ائتمنه.

.النباش:

ومما يجري هذا المجرى من الخلاف: الخلاف في حكم النباش الذي يسرق أكفان الموتى، فذهب الجمهور إلى أن عقوبته قطع يده، لأنه سارق حقيقة، والقبر حرز.
وذهب أبو حنيفة، ومحمد، والاوزاعي، والثوري، إلى أن عقوبته التعزير، لأنه نباش، وليس سارقا، فلا يأخذ حكم السارق، ولأنه أخذ مالا غير مملوك لاحد، لأن الميت لا يملك، ولأنه أخذ من غير حرز.

.الصفات التي يجب اعتبارها في السرقة:

تبين من التعريف السابق أنه لابد من اعتبار صفات معينة في السارق والشئ المسروق، والموضع المسروق منه، حتى تتحقق السرقة التي يجب فيها الحد.
وفيما يلي بيان كل:

.الصفات التي يجب اعتبارها في السارق:

أما الصفات التي يجب اعتبارها في السارق حتى يسمى سارقا، ويستوجب حد السرقة، فنذكرها فيما يلي:

.1- التكليف:

بأن يكون السارق بالغا عاقلا، فلاحد على مجنون ولا صغير، إذا سرق، لأنهما غير مكلفين، ولكن يؤدب الصغير إذا سرق.
ولا يشترط فيه الإسلام، فإذا سرق الذمي أو المرتد، فإنه يقطع كما أن المسلم يقطع إذا سرق من الذمي.

.2- الاختيار:

بأن يكون السارق مختارا في سرقته، فلو أكره على السرقة فلا يعد سارقا، لأن الاكراه يسلبه الاختيار، وسلب الاختيار يسقط التكليف.

.3- ألا يكون للسارق في الشئ المسروق شبهة:

فإن كانت له فيه شبهة فإنه لا يقطع، ولهذا لا يقطع الاب ولا الأم بسرقة مال ابنهما لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنت ومالك لابيك».
وكذلك لا يقطع الابن بسرقة مالهما، أو مال أحدهما، لأن الابن يتبسط في مال أبيه وأمه عادة، والجد لا يقطع لأنه أب سواء أكان من قبل الاب أو الأم، ولا يقطع أحد من عمود النسب الاعلى والاسفل - أعني الآباء والاجداد - والابناء وأبناء الابناء.
وأما ذوو الارحام، فقد قال أبو حنيفة والثوري، لاقطع على أحد من ذوي الرحم المحرم، مثل العمة والخالة، والاخت، والعم، والخال، والاخ، لأن القطع يفضي إلى قطيعة الرحم التي أمر الله بها أن توصل، ولان لهم الحق في دخول المنزل، وهو إذن من صاحبه يختل الحرز به.
وقال مالك والشافعي، وأحمد وإسحق، رضي الله عنهم، يقطع من سرق من هؤلاء، لانتفاء الشبهة في المال.
ولا قطع على أحد الزوجين إذا سرق أحدهما الاخر، لشبهة الاختلاط وشبهة المال، فالاختلاط بينهما يمنع أن يكون الحذر كاملا، ويوجب الشبهة في المال.
وإذا لم يكن الحرز كاملا، وكانت الشبهة في المال يسقط القطع، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما في أحد قوليه وإحدى الروايتين عن أحمد رضي الله عنه.
وقال مالك والثوري رضي الله عنهما، ورواية عن أحمد رضي الله عنه وأحد قولي الشافعي رضي الله عنه: إذا كان كل واحد منهما ينفرد ببيت فيه متاعه، فانه يقطع من سرق من مال صاحبه لوجود الحرز من جهة ولاستقلال كل واحد منهما من جهة أخرى.
ولا يقطع الخادم الذي يخدم سيده بنفسه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
قال: جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه بغلام له.
فقال له: اقطع يده فإنه سرق مرآة لامرأتي.
فقال عمر رضي الله عنه: لا قطع عليه، وهو خادمكم أخذ متاعكم.
وهذا مذهب عمر، وابن مسعود.
ولا مخالف لهما من الصحابة.
ولا يقطع من سرق من بيت المال إذا كان مسلما، لما روي، أن عاملا لعمر رضي الله عنه كتب إليه يسأله عمن سرق من بيت المال فقال: لا تقطعه فما من أحد إلا وله فيه حق.
وروى الشعبي: أن رجلا سرق من بيت المال، فبلغ عليا فقال كرم الله وجهه: إن له فيه سهما، ولم يقطعه.
فقول عمر وقول علي فيهما بيان سبب عدم القطع على من سرق من بيت المال، لأن ذلك يورث شبهة تمنع إقامة الحد.
قال ابن قدامة: كما لو سرق من مال له شركة فيه.
ومن سرق من الغنيمة من له فيها حق، أو لولده أو لسيده، وهذا مذهب جمهور العلماء وروى ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عبدا من رقيق الخمس سرق من الخمس فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه.
وقال: «مال الله سرق بعضه بعضا».
ولا يقطع من سرق من المدين الماطل في السداد، أو الجاحد للدين، لأن ذلك استرداد لدينه، إلا إذا كان المدين مقرا بالدين وقادرا على السداد، فإن الدائن يقطع إذا سرق من المدين لأنه لا شبهة له في سرقته، ولا قطع في سرقة العارية من يد المستعير لأن يد المستعير يد أمانه، وليست يد مالك.
ومن غصب مالا وسرقه وأحرزه فسرقه منه سارق، فقال الشافعي وأحمد: لا يقطع، لأنه حرز لم يرضه مالكه، وقال مالك: يقطع، لأنه سرق مالا شبهة له فيه من حرز مثله.
وإذا وقعت أزمة بالناس، وسرق أحد الافراد طعاما فإن كان الطعام موجودا قطع، لأنه غير محتاج إلى سرقته، وإن كان معدوما لم يقطع، لأن له الحق في أخذه لحاجته إليه، وقد قال عمر رضي الله عنه: لا قطع في عام المجاعة، وروى مالك في الموطأ أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها.
فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمر عمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم، ثم قال عمر: أراك تجيعهم.
ثم قال: والله لاغرمنك غرما يشق عليك.
ثم قال للمزني: كم ثمن ناقتك؟ فقال المزني: كنت والله أمنعها من أربعمائة درهم.
فقال عمر: أعطه ثمانمائة درهم.

ويروي ابن وهب أن عمر بن الخطاب، بعد أن أمر كثير بن الصلت بقطع أيدي الذين سرقوا، أرسل وراءه من يأتيه بهم، فجاء بهم، فقال لعبد الرحمن بن حاطب: أما لولا أني أظنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى لو وجدوا ما حرم الله لأكلوه لقطعتهم، ولكن والله إذ تركتهم لأغرمنك غرامة توجعك.